07‏/04‏/2011

يـا شـيـخـنـا الـبـوطـي


يا شيخنا البوطي

في خطبة الخلافة خطب أبو بكر رضي الله عنه  في عامّة النّاس فقال: "إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني" فلم يطلب التقويم والاعانة ممّن هم في سويته العلمية أو بمنزلته ولكن من عامّة الناس على حد سواء. ونحن شبابٌ ملأت نفوسُنا الحيرةُ من أفعالك واقوالك كما مُلئت من قبل حبّاً واحتراماً لك ولعلمك. فعلّك توضّح لنا فنُبصر مالا نُبصر فنعتذر، أو نقوّمك فتُبصر مالا تُبصر فتعتذر. والنصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم.


يا شيخنا البوطي

وأنا أرى حميّتك وغيرتك تثور لقرار وزير التربية بفصل المنقبات من سلك التعليم ولبثّ مسلسل بوجهة نظر معينة عن بعض المتدينات فرحت تطالب الفضائيات بمقاطعته تصيبني الدهشة، أهي الغيرة على نساء المسلمين والحمية لأعراضهم؟! فأين هي حميتك وغيرتك وغضبك وشهامتك عندما تمّ حبس صبية بعمر الزهور أنا وأنت والقارىء بغنى عن ذكر اسمها فاتهامها في شرفها ما زال ماثلا في أذهاننا، وكل منّا يرى فيها أختا أو ابنة. أم أن رؤيتك التي لا تكذب بأن غضب الله معلقٌ بين السماء والأرض لا تُرى إلا بتصريح أمنيّ!

يا شيخنا البوطي

بامكانك أن تصّرح بما تشاء ومتى تشاء، ولكن ما يحزّ في قلوبنا أن نراك وقد وقفت بنعليك على جثث الشهداء لتخبرنا بأنهم قد قضوا نحبهم وسالت دماءهم ليساعدوك في تحقيق نبوءتك في حربك الشخصية ضد نجدة اسماعيل أنزور وليعيدوا بضعة مئات من المنقبات إلى وظائهفن. وكأن الوطن لا همّ له إلا هذه الجزئية واختزلت فيك وبذاتك كل الأديان والمذاهب والطوائف والمعتقدات في هذا الوطن، وجعلت مطالب الكلّ هي مطالبك ومطالب من يلوذ بك ويشاطروك اجتهاداتك الشخصية بأضيق تفاصيلها...

يا شيخنا البوطي

لم أفهم حكمتك من زفّ البشرى  بعودة المنقبات إلى عملهن، أهو حب الخير لنساء المسلمين والمحرومين من حقوقهم والمظلومين؟ اذا أما كان حريّا بك أيضا أن تفرح وتزفّ بشرى قرار تشكيل لجنة لدراسة حل مشكلة إحصاء عام 1962 في محافظة الحسكة لبني جلدتك من الأكراد، فعدد النساء المحرومين من العمل في وظائف الدولة منهن يفوق أكثر بخمسين مرة عدد المنقبات اللائي حرمن من عملهن. أم أنّ البشرى والشكوى تجد طريقها إلى منبرك أحيانا وتتوه أحيانا أخرى!

يا شيخنا البوطي

أحترم كل الأخوات المنقبات وأجلهنّ ولا أرضَ أن يأسرَ أحدٌ ما حريتهنّ في اللباس أو العمل، ولكن كفاك تصغيرا لهموم هذا الوطن. انا مواطن مسلم عادي، لا أر الغيب ولا أملك الجرأة أن أتبرّأ من أحد باسم "سورية" كما تبرّأت أنت من أحد المخرجين وأتردد كل صباح وفي وضع قائمة حاجياتي من البقالة أكثر ممّا ترددت أنت في تلخيص مطالب 23 مليون مواطن ومواطنة بل انني حتى لا أرى في صحوي وقمّة تركيزي ما تراه أنت في منامك وما حدثتنا عنه من رؤياك. أكنّ أجلّ الاحترام لنتاجك الفكري العظيم، وأياديك البيضاء في هذا البلد كثيرة. ولكننا جيل مختلف، مللنا أن ينظّر علينا أحد، ننتقد من شئنا ونرفض ما شئنا ونعتنق أفكاراً ولا نقدّس أشخاصا. وأرجو أن لا تكون قد أغمضت عينيك عن أخبار مصر كما أغمضتهما عن أخبار سورية، أرجو أن تكون قد رأيت على الأقل ما حصل مثلا في ميدان التحرير، هذا جيل يصرخ في وجه جميع من يحاول مصادرة حقوقه، أو الاستهزاء بعقله، أو مخطابته من أعلى... ولست استثناءً

يا شيخنا البوطي

الآن وقد أعادت وزارة التربية عددا من المنقبات (أقل من عدد الشهداء إلى يومنا هذا) أرجو أن تكون قد ابتهجت سريرتك وهدأت حميتك، وأرجو أن يكون الغضب الرباني المعلق بين السماء والأرض (والذي حتى الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام لم يرَ مثيلا له) قد ذهب، وبناءً على نبوءتك فإننا نتوقع موسما مليئا بالأمطار، ومستقبلا مليئا بالخيرات، وإن كنت أودّ أن أذكّرك، بأن أولئك الذين استطاعوا أن يعيدوا المنقّبات إلى عملهن ويوقفوا "غضب الله"، هم نفسهم من نعتّهم وحدك وعلى مسؤوليتك الشخصية بمن "لا تعرف جباههم السجود" في حين أقرّ الاعلام السوري مطالبهم المشروعة بعد عدّة أيام... وأرجو أن توضح لنا دور العلماء والخطباء في بلادنا، فقد كنت أرجو لو أنك عندما رأيتهم ذهبت إليهم وحدّثتهم، فإن كانوا مسيئين نصحتهم وإن كانوا محسنين آزرتهم، قبل أن تتوجه إلى الاعلام لتصفهم لنا فهذه مهمّة الصحفيين. 

يا شيخنا البوطي

أرجو أن لا يتحوّل رجال الدين في بلادنا كرجال الدين في أوربة في العصور الوسطى، يخاطبون الناس وكأنهم ظل الله على الأرض، يحرقون كل من خالفهم ويرفضون كل من ناقشهم أو أتى بجديد، حتى رُفضوا من كل المجتمع وكانوا عقبة في وجه الحضارة ولا يرتجى خيرٌ قبل ازالتها... فكان ما كان



من عامّة المسلمين
إبراهيم الأصيل